منتدى ينبوع العطاء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى ينبوع العطاء



 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 خواطر سجينة

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
طيف المشاعر
مستشار متوسط
طيف المشاعر


عدد الرسائل : 422
العمر : 32
فارغ : خواطر سجينة Tamauz
تاريخ التسجيل : 20/03/2008

خواطر سجينة Empty
مُساهمةموضوع: خواطر سجينة   خواطر سجينة I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 03, 2008 12:42 pm

يمر الوقت بطيئاً متثاقلاً، وتتهالك الدقائق والثواني، يخيم الصمت على كل شئ، وتزيد النسمات الخريفية التائهة الحاضرين إبحاراً في الصمت... لا شئ سوى صوت تردد الأنفاس، وتواشيح حقد اسود ترتسم في الأحداق أغنية حالمة لبزوغ فجر يهز الدنيا ويمزق عتمة ليالي المدينة المسكونة أبدا بالمواجع والجراح ..الكل غارق في عمله،، هذه تخيط علماً وهذا يكتب لافتة وأخر يرسم خريطة وحمامة سلام وشمس خجولة لان جراح " أكه العالم" لازالت تعشعش في الذاكرة ثأراً لا ينام.
انتهينا من العمل عندما كانت عقارب الساعة تستقر على تمام الثامنة صباحاً وتسلل الرفاق واحداً واحداً وفي مخيلة كل منهم ألف مشروع ومشروع وألف حلم وحلم لفجر الغد الذي حددناه كموعد للزحف بمظاهرات عارمة تهز العيون" عندما هممت بإطفاء الشمعة الشاحبة الضئيلة التي كنا نشتغل على ضوئها سمعت طرقات ضعيفة على الباب، فقمت لأرى هذا الضيف الثقيل الظل، فطالعني وجه وجه عجوز جاوزت الستين. سألتها ما حاجتها في هذا الليل؟ أسكتتني بإشارة من يدها وقالت: جئت لأسلم لك هذه الأمانة، ودست في يدي رزمة أوراق، ودون أن تترك لي مجالاً للحديث ذهبت وهي تتوكأ على عصاها وبقيت بالباب أشيعها بنظرات حائرة حتى احتواها الظلام وغابت في منعرج الشارع ولم يبق منها سوى صوت أقدامها يطرق سكون الليل...
دخلت و أوصدت الباب جيدا وجلست أمام الشمعة الشاحبة الضئيلة لأقرأ الأوراق وأرى ما فيها...
الصفحة الأولى : الزنزانة كئيبة وباردة، تصلني الصرخات من الغرف المجاورة موجعة ودامية وتفجر في أعماقي الحزن شلالات وبحارا....متعبة أنا ومنهكة القوى، أشعر بثقل الرصاص في مفاصلي، وآلاما حادة تكاد تقصم ظهري... صديقتي في الزنزانة عجوز جاوزت الستين ... تبدو شاردة النظرات وظلال من الحزن تركض على محياها.... آلامها الصامتة تنسيني م أنا فيه وتوسع دائرة المأساة في قلبي .. صوت أقدام السجان آتية وأصابعي لم تعد قادرة على الإمساك بالقلم...

الصفحة الثانية: عدت منذ لحظات من غرف التعذيب والاستنطاق ،، وقد تعرفت اليوم على لون آخر من التعذيب وأكل النحل جسدي وتوالت الصفعات مؤلمة وقوية على الخدين لأني أجدت لعبة الصمت والتحدي والآن وبعد كل هذا التعذيب اشعر أن هاته الضربات علمتني معنى الحياة وقداسة العطاء اللامحدود، وروعة أن يكون لك سر تخبئه في صدرك، تقلق راحة الأعداء وتقض مضاجعهم، صوت أقدام السجان قادمة....

الصفحة الثالثة: الزنزانة تزداد وحشة وكآبة، أحس نفسي أحسن حالاً و أن جسدي فقد الإحساس.... اليوم غسلوني بالماء الساخن ، وفكرت وأنا أغوص في الأبخرة والماء الساخن يكوي جسدي، إن الإنسان يتجاوز كل آلامه عندما يكون له هدف سامي وحلم كبير يعيش من اجل تحقيقه وان الحياة تكون تافهة من غير أهداف ومبادئ...صوت أقدام السجان آتية....سأسلم الأوراق للام الصابرة التي تشاركني الزنزانة...

الصفحة الرابعة : الذاكرة تحمل لي صورة الماضي في شريط سينمائي فتتحول الجدران الأربعة التي تطوقني إلى شاشة تركض عليها ذكرياتي، هاهي تعود إلى اليوم الذي قررت فيه أن اقدم خدمة لهذا الوطن المصلوب خلف الجدران السابحة في بحر الدماء والدموع...
كانت سيارة اللاندروفير تسابق الريح، الطريق تزداد وحشة كلما أوغلت جنوباً، جبال شامخة ...تنسل سيارتنا عبر ممراتها الضيقة المتعرجة.... كل الركاب غارقون في الحديث عن " مؤتمر الجاليات " الأخير ... وما شاهدوه هناك من صمود الشعب، السائق وحده صامتـ يغتال السيجارة بعد الأخرى دون رحمة، وفي غمرة الليل والدخان وشجون الحديث المتشعب رنت في أذني كلمات الوداع ووصايا الرفيقات وأنا اجمع حقائبي أودعهم، قررت في صمت أن أقدم خدمة لهذا الوطن المتربع على عرش القلب .... أفقت على تنبهات الأم الصابرة تعيدني إلى أرض الواقع ...صوت أقدام السجان الآتية...

الصفحة الخامسة: صوت طفل باك يأتني من مكان ما من السجن .. صرخاته البريئة تحرك أحاسيسي وتوقظ في أعماقي عاطفة الأمومة وأحن إلى أطفالي وأجواء بيتي الأمن ويتسلل صوت ابني الصغير احمد إلى أذني عبر الذاكرة وهو يصرخ عندما أخذوني ورموه بعيداً بقسوة: اتركوا أمي .....دعوها ...أمي لا ترحلي عنا، لا تذهبي عنا، دعوها ... أعادني صوت العجوز إلى واقعي المر معاتباً: أتبكي يا "أكه" لا تضعفي ... اصبري وسمعنا صوت أقدام السجان....

الصفحة السادسة: الليلة الأخيرة لنا في السجن، زميلتي في الغرفة ظلت طوال الليل تحدثني عن بطولات أعلي ولد ميارة و إسماعيل ولد الباردي وإبراهيم السالم ولد ميشان وأحمد حمادي وغيرهم ، وتردد مقاطع من أشعار " لكليب " وأم " التونسي" وهي واجمة... اعرف أنها تفكر في مصيري ... بعد لحظات تتسلق الشمس النوافذ والأبواب المغلقة معلنة عن قدوم يوم جديد، وبعد لحظات ينفذ حكم الإعدام !!!فتهدأ هذه الذاكرة المتعبة ويهدأ هذا الجسد المنهك .... في هذه اللحظات يتملكني هاجس الكتابة، أريد أن أكتب عن تفاهة الحياة وقداسة الوطن ... عن الشمس ، عن الحرية ..عن النور ... عن الأمل ، عن أحاسيسي، عن الام الصابرة إلا أني اسمع صوت أقدام السجان الآتية....
انتهت الخواطر ولم يبق أمامي سوى حروف مفككة وخطوط حمراء تغطي كل الصفحات...
أعدت قراءتها مرات ومرات، وفي المرة الأخيرة أخذت قلمي لأكتب النهاية كما شاهدتها هذا الصباح وشاهدها كل أبناء مدينتي الصامدة... كانت هذا الصباح شامخة جبال ببلادي وواثقة من نفسها حد الغرور وهي تقف على المقصلة والريح تعبث بلحافها الأسود، يداها مكبلتان وراء ظهرها ، متعبة كانت...وفي أحداقها ينام وطن، وتعلقت بها العيون وهي تقف عزلاء بجسدها المثخن بالجراح ... هاهو الجلاد يتقدم نحوها ويصرخ: اعترفي بجريمتك واعتذري عن خيانتك أمام الجميع ....العيون الغاضبة نحوه.... لتخلصها، لكن سيف الجلاد تسبقهم،، فيتحول المشهد إلى معركة مع البوليس والجندرمة وتزغرد العيون وهي تنعي "أكه العالم"....
في مستشفى المدينة، كان الطبيب يسجل اسم مولودة جديدة:
- ما اسميتيها
أجابت أمها باسمة:
- أكه...
ارتجفت يده وسقط القلم، وتمتم مذعورا:
- هذه عاشر طفلة أسجلها بهذا الاسم!!!



م ن ق و ل

ان شاء الله يكون عجبكم ولا تحرمونا من ردودكم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فلسطينية دلوعة
عبقري
فلسطينية دلوعة


عدد الرسائل : 286
العمر : 34
الموقع : ..هنا وهناااااك..
تاريخ التسجيل : 16/04/2008

خواطر سجينة Empty
مُساهمةموضوع: رد: خواطر سجينة   خواطر سجينة I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 03, 2008 1:10 pm

يسلموووو كتييييييير يا طيف

الخاطرة حلوة بس مؤثرة كتيير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سكون الليل
متميز
سكون الليل


عدد الرسائل : 222
العمر : 29
تاريخ التسجيل : 20/03/2008

خواطر سجينة Empty
مُساهمةموضوع: رد: خواطر سجينة   خواطر سجينة I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 03, 2008 2:03 pm

شكرا يا طيف
الخاطرة كتييييييير رائعة cheers lol!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
طيف المشاعر
مستشار متوسط
طيف المشاعر


عدد الرسائل : 422
العمر : 32
فارغ : خواطر سجينة Tamauz
تاريخ التسجيل : 20/03/2008

خواطر سجينة Empty
مُساهمةموضوع: رد: خواطر سجينة   خواطر سجينة I_icon_minitimeالخميس يونيو 05, 2008 4:52 pm

يسلمو كيتر عالمرور يا حلوين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
خواطر سجينة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى ينبوع العطاء :: الينبوع الأدبي :: نبع القصص والأشعار-
انتقل الى: